الخميس، 14 أكتوبر 2010

الصورة والعولمة والبعد عن الواقع العربي



جامعة الدكتور يحي فارس بالمدية
معهد الأدب واللغات والعلوم الإنسانية
قسم علوم الإعلام والاتصال



مداخلة بعنوان:

الصورة والعولمة والبعد عن الواقع العربي
المحور الخامس:

الصورة وصناعة الواقع
الأستاذ: أحمد شريف بسام

2011.2010





مقدمة:
كيف يمكننا اليوم في ظل عالم المتغيرات، عالم الحياة الرقمية والتسوق الإلكتروني الذي تغذيه خطابات العولمة، والتكنولوجيات الجديدة، من أن نتوقف ونقرأ صورة أو نفهمها وهي تحاصرنا في كل مكان، مخاطبة غرائزنا قبل عقولنا، تغرينا فنغتر لتسلب إرادتنا لنقتنع بشراء متوجاتها.
إنها حضارة الصورة تعود من بعيد، لتزحزح حضارة الكتابة شيئًا فشيئًا، فقد آن الأوان لنكون واعون بصريا، وثقافيا بالصورة، قصد الانخراط في حضارتها وفهم لغتها المتكثرة.
في عالم من الصور والبصريات الافتراضية، لهذا لابد من أن نستعد من الآن، عن على مستوى قراءة الصور وتحليلها، وإن على مستوى تأويلها وتداولها، فالصورة نحيا بها، ما فقهناها قراءة وتأويلا ًفقد أصبحنا اليوم نعيش في مجتمع الصورة، فهي رفيقنا ومرافقنا، فأينما نولي وجهنا فهناك صورة تنظر إليها في الجرائد والمجلات، أو تنتظرنا في المكتب أو المنزل، أو في الشوارع والطرقات، أو تطالعنا في التلفزيون أو عبر هواتفنا الجوالة، فالصورة بحق نحيا بها وتحيا بنا، ولكن لابد من معرفة حياتها وموتها (بتعبير دوبري) وهذا لا يكون إلا بمعرفة حدودها ومحدداتها فلكل شيء بدء ومنتهى، والصورة دائما في خلق جديد. فالناظر لسيميائيات الصورة يجدها قد تمفصلت على نفسها لمجالات بحثية ك فقد أصبحنا اليوم نعيش في مجتمع الصورة، فهي رفيقنا ومرافقنا، فأينما نولي وجهنا فهناك صورة تنظر إليها في الجرائد والمجلات، أو تنتظرنا في المكتب أو المنزل، أو في الشوارع والطرقات، أو تطالعنا في التلفزيون أو عبر هواتفنا الجوالة، فالصورة بحق نحيا بها وتحيا بنا، ولكن لابد من معرفة حياتها وموتها (بتعبير دوبري) وهذا لا يكون إلا بمعرفة حدودها ومحدداتها فلكل شيء بدء ومنتهى، والصورة دائما في خلق جديد. فالناظر لسيميائيات الصورة يجدها قد تمفصلت على نفسها لمجالات بحثية كثيرة، وهذا لتعدد وسائل الاتصال البصري على وجه الخصوص، فمن سيميائيات الرسوم المتحركة، إلى سيميائيات السينما، إلى سيميائيات الفيديو...، كل هذه اللغات البصرية التي نواجهها وتواجهنا يوميا تحمل حدودا ومحددات عن أصل بدئها ونشأتها، فلابد من معرفة هذه معنى الصورة وطبيعتها التي تعمل بين الخفاء والتجلي، والغياب والحضور.



وهذا لتعدد وسائل الاتصال البصري على وجه الخصوص، فمن سيميائيات الرسوم
المتحركة، إلى سيميائيات السينما، إلى سيميائيات الفيديو...، كل هذه اللغات البصرية التي نواجهها وتواجهنا يوميا تحمل حدودا ومحددات عن أصل بدئها ونشأتها، فلابد من معرفة هذه معنى الصورة وطبيعتها التي تعمل بين الخفاء والتجلي، والغياب والحضور.
و العولمة تحمل الطابع العالمي، أي انه الارتقاء من الملحي إلى العالمي والعكس، فاصبح هناك تخمة من الصور الملايين من الصور تسير يوميا في فلك صغير، في الماضي كان المتلقي يذهب إلى الصورة بحثا عن المعرفة لكن يبدو أن الأمر قد اختلف في العصر الحالي، فقد أصبحت الصورة تأتي إليه دون أن يستطيع مقاومة حضورها و لهذا قال الفرنسي جان بودريار إن هناك علاقة نفسية
بين الصورة وموضوعها. و لو نظرنا إلى إمكان وجود نقلة مضادة في هذه العلاقة فهذا يعود إلى الآليات النفسية التي تؤدي إلى ترويض الأعين فهناك حالة من السلبية لدى الجمهور حيث يؤدي الترويض إلى ذهول العقول بالصور وقبولها بما تحمله من مضامين وإملاءات وهنا يكمن الظفر الكبير الذي حققته تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في أنها تتدخل بقوة في إنتاج وعي المتلقي من خلال ثقافة الصورة خاصة بنسختها الرقمية دون أن يطلب أو يدري أن الصورة تعتدي علينا فعلا، فهي تقتحم إحساسنا الوجداني وتتدخل في تكويننا العقلي بل إنها تتحكم في قراراتنا الاقتصادية وهي مثلما تسلب علينا راحتنا النفسية فإنها بالغة التأثير تماما مثلما تدبر ردود فعلنا السياسية والاجتماعية وتؤثر في توجهاتنا الفكرية والثقافية.
إن أحد مقاييس فقدان الأمة لسيطرتها على وسائل إعلامها هو مدى اختراق وكالات الإشهار الأجنبية ذات الطالع المعلوم لوسائل وأدوات التسويق في تلك الدولة. فالصورة تحمل في طياتها رسالة ودعوة لفكر ثقافي وسلوك اجتماعي واقتصادي، ونجاح هذه الدعوة وتغلغلها مرتبط بثقافة المتلقي، فأي ثقافة لدينا بعدما أصبحنا سجناء المشاهدة؟.





العولمة والصورة
هل الصورة نتيجة العولمة أم العولمة نتيجة الصورة، استغلت العولمة الصورة أم الصورة استغلت العولمة؟
طبعا العولمة هي التي استغلت الصورة، فهي موجودة قبل العولمة. الصورة ليست التلفزيون فقط، فهي موجودة في حياة الإنسان قبل أن توجد العولمة. لكن فضل العولمة أنها اكتشفت أن الصورة لها تأثير أكبر، وتنتشر أسرع، ووسائل الميديا والتقنيات الحديثة ساعدت على انتشار الصورة، وساعدت على تأكيد العولمة. الإعلان موجود أيضا ولكنه لم يكن بهذه السعة والانتشار أو بهذه القدرة على التأثير، وهو مرتبط بعصر الاستهلاك مرتبط وبالعولمة، بشكل متداخل، وعصر الاستهلاك كان موجودا قبل الانتشار الكبير للصورة. بعض الناس يعتبرون رحلات التجار القديمة نوع من العولمة. انتشار التجارة، المراسلات القديمة وغيرها ، ولكن هناك اختلاف، ليس في الكم بل في الكيف أيضا، فا الميديا لعبت دورا خطيرا جدا.
عتمد الإعلام في عالمنا المعاصر على الصورة، والعولمة الإعلامية هي نتاج تزاوج بين سيل المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة. فالمعلومة باتت تعبر من خلال الصورة.. وقد أضحت الصورة وساطة خطيرة للتأثير في الوعي والمخيال.. في الأفكار والقناعات.. في العواطف والغرائز.. وهذا كله يجعلنا إزاء حقيقة راهنة تفرض نفسها علينا، ولا يمكننا تجاوزها، وهي أننا لا نستطيع مواجهة تحديات العولمة إلا باستثمار هذه الأداة نفسها ـ بالاتجاه الآخر ـ فالصورة أداة حيادية وخام، قبل
استخدامها، بالمستطاع ، إذا ما توفرت القدرة والكفاءة والرؤية الصحيحة، جعلها في ضمن فاعليتنا الثقافية والإعلامية، وتعزيز آراءنا وأفكارنا من خلالها. وإذا كان بالإمكان المراوغة في صياغة الجمل عند التعبير عن حدث أو فكرة، والسكوت عن تفاصيل وجوانب وأشياء، فإنه في حالة الصورة أيضاً يمكن المراوغة، وربما بشكل أكبر. فاختيار صور بعينها وإخفاء أخرى وتحديد زاوية الرؤية عند تقديمها سيؤثر على وجهة نظر المتلقي. ناهيك عن أن الصور قد لا تعكس حالات العالم الداخلي/ الباطني، وما تعتمل فيها من أفكار وهواجس ومشاعر، وتكون بحاجة إلى معونة الكلمات..
هنا تغدو الكلمات في خدمة الصور المختارة، وليس العكس كما كان يجري سابقاً في مجال الإعلام.
وتهيئ ثقافة العولمة ـ إن جاز أن نطلق عليها اصطلاح ثقافة ـ إلى حد بعيد، مستلزمات وشروط الهروب من الواقع، أو التعامي عنه.
يحتكر الغرب، ولا سيما أميركا صناعة الصورة ـ إنتاجها وتسويقها ـ فواشنطن ( لوحدها تسيطر على 65 % من حجم الاتصال المتداول في العالم، كما أن أميركا نفسها تحتكر 35% من عملية النشر في العالم و 64% من الإعلان الدولي و45% من التسجيلات و 90% من أشرطة الكاسيت و 35% من البث عبر الأقمار الصناعية.. وهذا يعني أن أكثر من ثلثي حجم الإعلام الذي يبث في العالم قادم من أميركا.. ).
وهكذا نجد أن الصور اليوم تخدم غايات وإستراتيجيات قوى ومؤسسات وأنظمة بعينها تمثل العالم الرأسمالي الغربي، وتدفع الآخرين إلى مواقع السلبية والهامشية والاستهلاك المحض.
ويتنبه مفكر من طراز الفرنسي ريجيس دوبريه إلى هذه المعضلة الشائكة، فيؤلف كتاباً بعنوان ( الميديولوجيا )، والتي يقصد بها ( العلم الذي يدرس الوسائط المادية التي يتجسد عبرها الكلام ). ويطلق على المجتمع البشري ( دائرة التواصل الإعلامي ) ويرى في طوفان الصور الذي يحاصر الفرد المعاصر مفارقة، ذلك أنها بدلاً من أن تشحذ الرؤية فإنها تسبب العمى.. ولقد أضحينا بحسب دوبريه ( بالرغم من نباهتنا معرضين لفقدان البصر، فعندما نرى كل شيء لا يعود لأي شيء قيمة
وإذا كانت ثقافة الاستهلاك من خلال صناعة الصور تنمِّط العقل وتسطحه، فإنها بالمقابل تخاطب الغرائز، جاعلة من الجسد الإنساني ـ الفتي ـ ثيمتها الرئيسة.
إن المرأة تُختزل إلى جسد مشتهى، ويكون التركيز على الشكل الخارجي.. وبذا فإن هذه الثقافة تطيح بكرامة الشخصية الإنسانية بعدّها حقيقة مركبة، واعية ومنتجة، وليست جسداً محضاً يُستثمر
تجارياً لتحقيق الربح.
( تحتفل الثقافة التي ترافق مجتمع الاستهلاك بالجسد كحامل للذة، إنه يشتهي، وهو أيضاً محل رغبة الآخرين. وكلما اقترب الجسد العيني من الصور الممثلة للشباب والصحة واللياقة البدنية كلما ارتفع شأنه واحتل موضعاً في سلم القيم والمثل.
وفي الوقت الذي به يبرز الجسد الفتي يتم نبذ الجسد الآخر ـ غير الفتي ـ فمثلاً ( الجسد الذي نراه في
الإعلان لا يبدو لنا مطلقاً جسداً صائراً إلى موت، إنه ما يمكن أن نسميه حقاً جسداً ممجّداً ) كما
يقول رولان بارت، الذي يضيف بأن ( ثمة خاصة ثابتة، تندرج ضمن تعارض، هو الآخر أسطورة عصرية محضة، تعارض بين الجسد الفتي والجسد العجوز. ويبدو أن مجتمعنا ليس متسامحاً إلا إزاء الأجساد الفتية. كل مرة تتمكن فيها التقنية الثقافية من الجسد، أكان ذلك بالإعلان، أو بالسينما، أو بالصورة الفوتوغرافية فإنها ـ أي هذه التقنية ـ تبرز على مسرحها، ما طالما روجـــت له، جسداً فتياً، وكأن مثال ما يتمناه المجتمع ألا يرى الجسد إلا في أنواعه التي تبينه كائناً سرمدياً، لا يموت ). وبذلك يُستبعد الجسد الآخر، ويكون مجازاً، جسداً ميتاً.. أو على أقل تقدير، لا ضرورة له.
ها هنا يُحتفى بالقوة المجردة، في لحظة فعلها ـ بغض النظر عن الباعث الأخلاقي ـ ويصير العنف ـ حتى الحقيقي منه، والمعروض على الشاشة ـ وسيلة للتسلية والترفيه.. أما الحب ـ الذي هو أسمى القيم الإنسانية ـ فيُفرغ من محتواه، أو يُقدم مثل شيء مؤقت، عابر، يمكن بيعه وشراءه. وفي المحصلة، يكون فعل الحب لعباً بارداً، وفعل العنف لعباً بارداً، يفقد خلاله الوجود الإنساني دفئه وعذوبته.. وصميميته.
إن كل شيء في عصر العولمة يتحول إلى لعبة وإثارة، بما في ذلك صور المآسي والكوارث،
كما حدث إبان الحرب على العراق.. إذ عمدت القنوات التلفازية الغربية إلى إدهاش المشاهد الذي يرى ما يفعله قصف الطائرات والصواريخ كما لو أنه ألعاب إلكترونية مسلية.
إن القفزة الحاصلة في الفلك الإعلامي بنتيجة ثورة الاتصالات والمعلوماتية باتت تسرع من إيقاع الحياة.. فالتحولات الهائلة والمفاجئة في ما حول الإنسان جعلته يعاني من صعوبة في التكيف، والملائمة مع ما يجري واستيعابه.. ولم يعد هناك وقت كاف للتأمل والتمحيص عند اتخاذ القرارات.
وإذا كانت العولمة تسعى إلى فرض النمط الحضاري الواحد فعلينا أن ندرك بأن تحقيق الذات وتأكيد الشخصية الحضارية لا يتأتى إلا من خلال الفعل الإبداعي الذي يجعل لنا مساهمة فعالة في صيرورة العالم المعاصر وتحولاته، وبهذا سنفرض منطق التنوع الثقافي والذي هو منطق أكثر فعالية وخصوبة وفائدة لمستقبل البشرية من المنطق العقيم المطالب بإشاعة نمط واحد من الثقافة في ظل العولمة.. والأفق المتاح أمام الثقافات المنكفئة والمهزومة الآن، مع ما توفره تقنيات الاتصالات
الحديثة وقنوات الإعلام هو العمل ( على إعادة خلق الواقع من جديد بالقول والعمل أو بالفكر والممارسة، فليس عالم الإنسان فكرة جاهزة ينبغي تجسيدها، أو نموذجاً أصلياً مغلقاً لا يقبل المناقشة
والتفاعل، بل هو مساحة حرة من الإمكانات المفتوحة دوماً على المجهول واللامتوقع، على نحو يتيح نسج علاقات عديدة مع الواقع يتغير معها نظام المعنى ومنظومات التواصل.. أنظمة المعرفة
وقواعد الممارسة.. جغرافية العقل وخارطة القوة.
أن العولمة، فإنها تسعى إلى إلغاء السيادة على المكان أو إضعافها مستعينة بوسائلها وآلياتها من تخطي الحدود والقفز من فوقها والتعدي على خصوصيات المكان وسكانه، واختراقه، وغزو ثقافة شعبه وحضارته، وفرض ثقافة أخرى عليه، ما قد يضعف من انتمائه الوطني والقومي ويساهم في تفكيك عناصر هويته ومكوناتها، ليصبح شعباً بلا هوية تميزه عن غيره من الأمم و الشعوب. إنه إذن أقرب إلى نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، ويدفع للتفتيت والتشتيت ليربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة، واللادولة، أو يفرقهم في أتون الحرب الأهلية.
اندثار الحدود السياسية والقانونية والثقافية أمام العولمة المدعومة بوسائل حديثة كالإنترنت، والفضائيات التلفزيونية، من شانه أن يدمر آخر قلاع المقاومة للاكتساح الثقافي الغربي
والأمريكي بالأساس، ما دام السياق الجيوبوليتيكي الدولي يسير باتجاه تعزيز هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم في سياق ما يعرف بالنظام الدولي الجديد، أو عالم الميغا إمبريالية بتعبير عالم الدراسات المستقبلية المهدي المنجرة، فمع انحسار الاتحاد السوفييتي وتفككه وانشغاله بهمومه الداخلية، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحقق أكبر قدر من الانتشار العالمي والنجاحات والانتصارات السياسية والعسكرية، وتستغل التحولات الدولية لتزيد من حضورها وصعودها الدولي كدولة وحيدة تتميز بمواصفات ومقومات الدولة العظمى كلها (super state) ، إضافة إلى أنها تتحكم بالنسبة الأكبر من وسائل الإعلام المؤثرة عبر العالم.  ولعل أكبر مظاهر السيطرة الأمريكية معلوماتياً تشبثها بأن تحتكر مؤسسة (ICANN) الأمريكية مسؤولية تسيير المهام الأساسية للإنترنت (internet governance)، التي تشمل إدارة الموارد الرئيسية للبنية التحتية للشبكة ... فقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل قاطع في القمة العالمية لمجتمع المعلومات، أن تحال هذه المهمة على منظمة عالمية كالاتحاد العالمي للاتصالات ... وهو ما يثير قلق الاتحاد الأوروبي من أن تصبح الإنترنت "ضيعة" أمريكية خاصة، بهذا تتجاوز الهيمنة الأمريكية الجانب الاقتصادي والسياسي إلى الجانب الثقافي، بما يعنيه ذلك من تعميم للقيم النفسية والسلوكية والعقائدية الأمريكية على الأذواق والسلوكيات والأعراف التي تشكل، بالإضافة إلى الأديان والعقائد، المنظومة المتكاملة
للخصوصية الحضارية لباقي الشعوب في العالم، ما يعني أن الأمر يتعلق بأيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم وأمركته على حد تعبير الدكتور عابد الجابري، فهي تعمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه هو الولايات المتحدة الأمريكية، بالذات، على بلدان العالم أجمع ... .
 لذلك، فهي تنحو باتجاه القضاء على الخصوصية الثقافية بشكل عام، في الأذواق وأولويات التفكير ومواضيعه ومناهجه، لكل هذا يضع المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي مفهوم العولمة في عمق التطلعات الهيمنية للولايات المتحدة الأمريكية من وحي مصالحها الأمنية القومية، أو ما يتعارف عليه بالحلم الأمريكي الذي جند، ليصبح واقعاً معيشاً، مجموعة من الحلفاء والزبناء في إطار تبني حرية مطلقة لقوانين السوق المالية الواحدة التي تتحدى سلطة الدولة القومية ودولة الرعاية.  أما المدخل الأساسي للتأثير فيرتبط -كما سبقت الإشارة لذلك- بالاختراق الإعلامي الهائل الذي يتجاوز كل الأشكال التقليدية للتواصل، فيجند ثقافة جديدة هي ثقافة ما بعد المكتوب
التي ليست سوى ثقافة الصورة، باعتبارها المفتاح السحري للنظام الثقافي الجديد: نظام إنتاج وعي الإنسان بالعالم، إنها المادة الثقافية الأساس التي يجري تسويقها على أوسع نطاق جماهيري، وهي تلعب الدور نفسه الذي لعبته الكلمة في سائر التواريخ التي سلفت.  إن الصورة أكثر إغراء وجذباً وأشد تعبيراً وأكثر رسوخاً والتصاقاً بالعقل؛ لأنها لغة عالمية تفهمها جميع الأمم والشعوب والبشر كافة، سواء أكانوا جهلة أم متعلمين، لأنها قادرة على تحطيم الحاجز اللغوي وعلى الرغم من هذا فهي لا تعدو أن تكون ثقافة معلبات مسلوقة جاهزة للاستهلاك، تتنافس الشركات الإعلامية لتسويقها مستخدمة جميع ما ابتكره العقل البشري الغربي من وسائل الإغراء والخداع، ومع تراجع معدلات القراءة والاهتمام بالكتاب، فإن نظام القيم معرض للتفتت، ما سيكرس منظومة جديدة من المعايير ترفع من قيمه النفعية والفردانية الأنانية، والمنزع المادي ـ الغرائزي المجرد من أي محتوى إنساني... الخ.  ولا تقتصر محاولات الأمركة على مضامين الرسائل الإعلامية الدائمة التدفق، بل تتعداها إلى التبشير بانتصار القيم المسماة أمريكية، وبأساليب وطرز الحياة الأمريكية، بدءاً بأنماط السلوك والملابس واللغة، و هي أحد أوجه الغزو الثقافي الذي يستهدف احتلال العقل فهو أخطر من الغزو العسكري و علامة على ذلك أن الغزو العسكري يستمد قوته من آليات الإخضاع الخارجي بينما ييسر الغزو الثقافي آليات الإخضاع الداخلي مما يبدو كأنه تعمية للحال أو تجميل له.






واقع الصورة في منطقتنا العربية:
قبل ان نخوض غمار هذه الفكرة يجب أن نحدد خريطة هذا الواقع وماذا نعني بالواقع، وما علاقة الواقع بنا كمجتمع وكأمة، وهل نقصد واقع التسلية والترفيه واقع العولمة المتغلغلة في ثنايانا في كل يوم ودقيقة وثانية ، من خلال تسويق صور تعبر عن واقع معولم أي  محاولة تطبيقه ونقل التجربة على هذا العالم العربي الذي لم يجد بعد ضالته، يقول بيير مارتينو: "تلعب الصورة دورا هاما ذا دلالة كبرى في تحفيز سلوكنا اليومي، إنها تتمتع بحيوية خيال خصب، وقدرة على الإرغام تفوق قدرة الأفكار المجردة، ذلك أنها تولد مصاحبات عاطفية تترجم إلى أنشطة وطاقات قوية..." والمعنى من هذا القول هو التأثير السحري والقوي الذي تلعبه الصورة في حياتنا اليومية.
فهي تلازمنا أينما حللنا في أي مكان وأي زمان، في التلفزيون في الشارع في الحافلة في المزابل وغيرها، لا شك أنها تبعث بنا إلى أكثر من أفق، فهي اليوم  جهاز متكامل حامل لرؤية، ويقال أيضا أنها تعبر عن أكثر  من نص وكلنا يعرف مدى التأثير القوي والمفعول السحري الذي تلعبه الصورة في الواقع، ولكن الواقع الذي يندرج ضمن نطاقها وليس الواقع المفتوح على كل الأفق.
لكن اليوم وخاصة في منطقتنا العربية، الحديث عن تأثير الصور وجعل المتلقي يسمو ويفكر ويتخذ قرار ويصبو إلى تحقيقه، أصبح من الماضي، فكل من كان ينادي ويرى بمدى قوة وتأثير الصور على الواقع وإخراج الفرد من دائرته الضيقة، لا نجد له واقعا وتفسيرا، فكل تلك النظريات والدراسات القائلة بمدى تأثير الصورة لا محل لها من الإعراب في واقعنا العربي، خاصة فيما يتعلق بوضعنا السياسي المزي والمهلك، والحروب المشتعلة في المنطقة وكذا حالة الشقاء والبؤس التي يعيشها الفرد العربي، إما الحديث عن الشق الأخر المتعلق بالترفيه والتسلية، فذلك شيء أخر، فهو الذي حل محل الواقع الذي يجب أن نعيشه، فالصور اليوم أخرجت هذا الفرد من دائرته الضيقة ، لكن ليس بالارتقاء إلى الذائقة الشعبية، لكن إلى عالم معلوم كل شيء فيه مباح دخيل عليه، ولا يرى نفسه ضيف شرف، نعم هي تلك الصور الإباحية صور المجلات الجنسية وصور ما يصلح على تسميته فنانات وغيرها من الصور التي ملأت المجتمع العربي الذي حملت معه ثقافة ولكن ثقافة غربية مستوردة لا تمت بواقع هذا الشعب التعيس بأي صلة،
يحث يقول أحدهم: بأن قيد الأغلال معقول خير من قيد العقول بالأوهام، وهذا ما تحاول الصورة أن تثبته وترسخه في عقل الفرد العربي، مستغلة سذاجته، حيث ترسم له مستقبلا زاهر مليئا بالورود

بحيث يعتقد الفرد أنه من الممكن ان يعيش تلك الحياة الرفاهية الخالية من أي مشاكل، وهذا كله نتيجة القنوات الفضائية التي تمل ملايين الصور، ومن المعلوم أن الفرد العربي هو أكثر الأفراد مشاهدة للتلفزيون، مما يجعل تلك الصور تترسم في مخياله، بالإضافة على صور المجلات والإعلانات المجانية و في الطرقات والفضائيات وغيرها.
في هذا الجزء نحاول أن نبين أن حالة الفرد العربي كيف أثرت عليه الصورة وجعلته بعيدا عن واقعه، في حين أن بعض الصور هي التي يجب أن تحركه وتخرج من كيانه غضب التغيير السلمي، أو على الأقل إبداء الرأي، وذلك اضعف الإيمان.
نحن نعلم أن خروج أمريكا من الفيتنام كان بسبب الخسائر التي منيت بها على يد المقاومة الفيتنامية آنذاك، لكن السبب الذي عجل بخروج تلك القوات الغازية من الفيتنام، هو تلك الصور التي كانت  تأتي من تلك المعارك وصور شباب أمريكا وهو يقع الواحد تلو الأخر في معركة غير متكافئة، وصور الدبابات والطائرات المتحطمة وغيرها.
فبالرغم من تكتم السلطات الأمريكية عن تلك الصور، إلا أنها وصلت إلى الشعب الأمريكي، مما أدى بخروج الشعب بمظاهرات من كل أطياف الشعب تندد بتلك الصورـ وتطلب من الحكومة الأمريكية لإعادة هؤلاء الجنود إلى أمريكا، فخلقت تلك الصور حالة من الذعر وموجة من الاستياء، أي أن تلك الصور أثرت فيهم وعلى وعيهم ومست واقعهم.
من هذا المثال البسيط سأحاول أن أعطي مقارنة بين حالة الشعب الأمريكي والعربي في حال ما تعرض إلى مشكلة قومية أو حرب أو أي شيء يجعل التغيير ضروي.
أما في منطقتنا العربية فنجد إن الصور لا تغير شيء في نفوس شعوبنا، ونرى ان تلك النفوس قد ماتت، فهي مجرد أجسام محنطة، نعم تناثر بصور محلية وعالمية ولكن إلا ما يدغدغ شهوته، وملأ وقته الذي هو كله فراغ، وسنحاول أن نعطي بعض الأمثلة عن بعض الصور،  التي كان من المفروض ان تحرك مشاعر الملايين من العرب والمسلمين لأنها تمس واقعه المزري، واقعهم المعاش، بكل بساطة تمس ثوابتهم معتقداتهم ومصائرهم التي لا يعرفون عنها شيء، وكذا بعض الصور التي أثرت وجعلت من مضامين هذه الصور ساحة للنقاش والحوار دون ان يكون لها اثر ايجابي، وما هو إلا أمر ترفيهي .


ولقد غلب علينا منطق المغلوبين فصرنا أسرى وفريسة سهلة، لعولمة مفترسة، تحمل في طياتها ثنائية التوحد والتجزؤ، والارتقاء بالمحلي على العالمي، مركز على على كل ما هو ترفيهي تجاري، وكما اشرنا سابقا ان العولمة هي من أتت بالصورة، لان الصورة موجودة قبل العولمة
فقد حملت هذه الأخيرة الملايين من الصور، واستعملتها في أهدافها الدنيئة على منطقتنا العربية حتى وان كان الأمر ليس مباشر، فهي تدخل من جانب التسلية والترفيه وصور التي لا حاجة لنا أساسا نظريا، لكن الواقع يقول عكس ذلك.
وفي احصائية جديدة للدكتور فهد بن عبد العزيز السنيدي، أستاذ المذاهب المعاصرة بجامعة الملك سعود ان عدد الفضائيات الموجهة للمشاهد العربي، مستندا على تقرير من الاستخبارات الأميركية (CIA) التي أشارت إلى وجود 13 ألف قناة في العالم، منها 7500 قناة مشفرة، و5500 مجانية، وفي العالم العربي 696 قناة تبث من 17 قمرا صناعيا، يشاهدها أكثر من 150 مليون مشاهد للقنوات المفتوحة، بينما 42 مليون للمشفرة، وبين أنه من ضمن القنوات الموجهة لنا 112 قناة جنسية باللهجات العربية.
وقال إن الإنفاق العالمي على الإعلان يصل إلى أكثر من 700 مليار دولار سنويا أي ضعف الدخل العالمي من النفط، وهو مرشح للزيادة، مما يدل على أن فسيولوجية الإعلان تقوم على بيع الأحلام، ودغدغة المشاعر، وإثارة الرغبات، وتعزيز التأثير الإعلاني بالإغراق. مستعملة في ذلك صورة ذات تأثير ومفعول سحري ومواكبة للتطور التكنولوجي لوسائل الإعلام والتي تجعل من الصورة وحشا في صورة ملك لا تحي بتأثير غلا بعد ان يلتهمك.
ومن تأثير الصورة على منطقتنا العربية، وكيف جعلتنا بعدين في الواقع وتأثيرها علينا، وكيف كان تأثير الصورة، بالاهتمام بالثانوي وترك الأساس، وكيف سلبت هويتنا من دون أن نشعر وان ندرك، هذه بعض الأمثلة على ذلك:





أولا: صورة العاهل السعودي وهو يشرب نخب بوش
أظن ان الكثيرين هنا لا يعرفون ، ولم يرو هذه الصورة المشئومة، لأن اغلب الفضائيات وكل وسائل الإعلام العربية لم تتطرق إليها، كخبر على الأقل كخبر ثانوي، ولكن في تقارير هذه الفضائيات يمكن مشاهدة هذه الصورة، ويمكن أن نلخص محتوى هذه الصورة كما يلي: في العام الماضي وفي أواخر الولاية الثانية للرئيس جورج بوش الابن، حل عاهل المملكة العربية السعودية، التي هي قبلة المسلمين ويأتيها المسلمون من كل فج عميق ففيها بيت الله الحرام ، وهي من أنقى الأماكن على الأرض،  ضيفا على البيت الأبيض، وبعد حديث قصير أمام وسائل الإعلام دعي الملك عبد الله ، على مأدبة غذاء على شرفه، وبينما كان الجلالة الملك جالسا، حتى جاءه جورج بوش حاملا معه كاس خمر وشرب الملك عبد الله نخب الشراكة السعودية الأمريكية التي كان لنتائجها على العرب والمسلمون كل الويلات والمشاكل، ولقد ركزت وسائل الإعلام خاصة  الغربية منها على تلك الصورة، وحتى العربية منها خاصة الفضائيات ركزت على تلك الصورة في تقاريرها الإخبارية دون الإشارة إلى شرب ملك السعودية النبيذ الأحمر، وهذا يجرنا إلى حديث أخر وهو موضوعية وسائل الإعلام، ماذا يمكن ان نقول فالصورة شاهدها العالم كله والعالم العربي بنسبة مشاهدة عالية، لكن السؤال يطرح نفسه، أين المفعول السحري للصورة، أين ذلك المفهوم الذي يقول إن الصورة هي تحمل أكثر من ألف كلمة وغيرها من المفاهيم ومستويات تحليل الصورة التي تكلم عن رولان بارث، هنا لا ينفع لا تحليل ولا رولان بارث ولا أي شيء، هنا انحن أمام واقع اسمه خادم الحرمين الشرفين يشرب خمرا، لكن تلك الصورة لم ترحك شيئا في حالة الشعوب العربية و كسر جمود السكون الذي يعيشه، وهل خرج الشارع، وأقيمت المظاهرات، وأخذت تلك الصورة مكانها في وسائل الإعلام ونوقشت على مجالات واسعة، وأخذت حيزا هاما، مر عام على هذه الصورة ولم نر أي شيء، و هنا يطرح السؤال نفسه، هل الصورة لا تعبر عن الواقع دائما، أم أن الصورة فقدت ذلك البريق الوهاج خاصة في ما يتعلق بمصائر ومعتقدات العرب والمسلمين، وتسترجع ذلك البريق والمفعول السحري في مجالات أخرى كالسفور والمجون والترفيه والتسلية والإباحية ومجلات الجنس ومحاكاة الواقع، أم ان هناك تحول في تفكير هذه الشعوب العربية من الأساس إلى الحاشية أي الثانوي.


ثانيا: صور القتلى في العراق وفلسطين
25 شهيدا في غزة بعد قرار مجلس الأمن بهدنة فورية
أنقرة لـ ليفني: لا تأتي إلينا إلا إذا...
نداء سعودي: غزة تحترق.. أطفئها بالمقاطعة
الإسعاف في غزة: آسفون.. لا نستطيع إنقاذكم
 لا يكاد يمر يوم إلا ونشاهد أثار التدمير والقتل الوحشي والمنظم على إخواننا في فلسطين والعرق ولبنان، وفي الصومال وحتى في بلاد غير العرب في أفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين، فنشاهد الملايين من الصور يوميا وعلى مدار 24 ساعة، التي يندى لها الجبين، فهي ليست صور مصطنعة أو قابلة للخيال العلمي أو ذات مؤثرات بصرية خاصة، لا فهي صور حقيقة تعبر عن مأساة ومعاناة شعوب تأمل في أن توصل رسائلها وصورها لحالة هذه المعيشة إلى شتى إنحاء العالم، فمن منا لم يشاهد صور أبو غريب ومن منا ليم يشاهد صور عبير الجنابي التي اغتصبت وقتل أهلها، ومن ومنا لم يشاهد قصف الطائرات الإسرائيلية والأمريكية في كل من العراق وفلسطين ولبنان في حرب تموز 2006، وأفغانستان وباكستان، وكيف يسقط الملايين من البشر في اقل من ثانية، وكيف أصبحت حيا البشر رخيصة في عيون هؤلاء، مؤخرا صور الصحفيين العراقيين الذين قتلتهم طائرات الاحتلال الأمريكي وعلى المباشر بكل  برودة، وهي الصور نشرت قبل الأسبوع، مع الإشارة أن  الفرد في العالم العربي يعاني من حال إشباع من المعلومات والصور، فلا يوجد حاجز من وصول الصور غلى كل أنحاء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، فتطر التكنولوجيا ووسائل الإعلام والاتصال قضت على المسافات ، فيكفي أن تخرج صورة  في دولة معينة ، حتى ستجدها في اليوم الموالي على شبكات الإنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي،
 كالفيس بوك والتويتر، وغيرها، كذا في الفضائيات المنتشرة والتي يصعب إحصاؤها، لأنه كل يوم نرى فضائية جديدة، المعنى من هذا أن الفرد العربي لا يعاني من نقص أو حاجة في مشاهدة هذه الصور، لكن لم نرى أي ردة فعل من مشاهدة هذه الصور، وكان وعيه تحجر من دون شعور، فكل يوم تشاهد الأخبار ترى نفس المشاهد، مشاهد القتل والدمار، فأصبح الأمر مثل
الروتين، لا يحرك في نفسه شيء وكان الأمر أصبح عادة، أي ان، الصورة أصبحت لا تعلب دورها الثقافي، أم أنها لعبت الدور السلبي في أن جعلت من ضميره ميتا، فهي لا تعبر عن الواقع دائما. 
هذه بعض الأمثلة وليست كل لحال الواقع العربي الذي أصبح لا يعيش واقع الذي يجب أن يعيشه، ولكنها أصبح يعيش في واقع غير واقعه، واقع ملأته الصور القادمة من الغرب والتي لا تمت بالواقع بصلة، أي أنها  توهمه بحالة من الاغتراب. 
إذا لم تغير هذه الصورة من وجداننا الهالك والعابر للقارات، نفوسنا فكيف لنا أن ننطلق ونحارب كل ما يتلقفنا من الغرب، ومن عولمة تحصد الأخضر واليابس غير أبهة بشيء، اسمه حدود جغرافية، ومقومات حضارية ، وخصوصية ثقافية محلية.
لكن بمقابل هذه الأمثلة توجد هناك أمثلة أخرى ولكن عل النقيض مباشرة، فهناك بعض الصور التي تسيطر على العقول وتؤثر على متلقيها من شعوبنا العربية ونذكر منها ما يلي:
صور زواج  هيفاء وهبي
هذا مثال نقيض على الأمثلة الأولى، في نهاية عام 2009 عقدت ما يصلح عليه المؤدية وليست الفنانة هيفاء وهبي قرينها من رجل مصري تكبره سنا، لكن المشكل ليس هنا، فحفلة الزواج الأسطوري الذي سخر له مطار بيروت الدولي وأكثر من 30 طائرة للمدعوين، بحيث كان هذا الحفل مغلق، اي بدون بث فضائي مباشر ولا وجود للمصورين و لا قنوات فضائية، حيث خلقت جوا من الغربة في رؤية  صور هذا الزواج وكان الكل ينتظر هذه الصور، وبيعت حقوق صور الزواج بملايين الدولارات لشركة خاصة، وكانت بعض كل القنوات تنل بعض الصور وتفرد للموضوع حيزا هاما من مادتها الإخبارية، ومنها قناة العربية، وبالتالي أصبحت صور الزواج موضوع هام ولابد من مشاهدتها، وعندا تذهب غلى مواقع ومنتديات الإنترنيت، الكل يسأل عن هذه الصور، وكان هذه الصور شيء مقدس أو مادة غذائية رئيسية.
دون ان ننسى الاستقبال الأسطوري الذي حظيت به،  في البيت الأبيض من طرف الرئيس الأمريكي،
صور شاكيرا المليونية في تونس الخضراء
قبل عام زارت الفنانة شاكير الكولومبية الجنسية اللبنانية الأصل تونس الخضراء، تصورا كم من
صورة ملصقة للترويج عن قدوم هذه الفنانة تم توزيع ولصق أكثر من مليون صورة إشهارية، فلصقها  اخذ أكثر من أسبوع ونزعها يتطلب أكثر من ذلك، دون ان ننسى صور هؤلاء المتدافعين على الحفل، فهل كانت ستوزع تلك الصور على مفكر عربي او داعية او غيره، معناها الصورة لا تعبر  عن الواقع دائما، فالصورة هنا سلبت عقول الكثيرين وغيرت من طموحهم ومأربهم.

تخذير الصورة والضحك على الذقون:
وفي مثال أخر عن التأثير الكبير للصورة في امتنا العربية وكيف سلبت العقول، وكيف جعلتنا إنسان فاقد لوعيه، في شكل صنم غير قابل للتفاعل، إلا بما تعلق بنزواته والترفيه والتسلية عنه
على وقع أنغام أغنيتها الشهيرة "أنا يلي بحبو وحدي أنا" نانسي عجرم وبفستان احمر فاقع وجسد نحيل تطل  نانسي عجرم على شاشات التلفزة لترقص وتتمايل بخفة وليونة أمام زجاجة مشروب غازي عالمي كوكاكولا في واحد من سلسلة إعلانات ترويجية لهذا المنتج...
في الوقت نفسه تعج الصحف والمجلات الطبية وغير الطبية بأخبار عن آخر الدراسات العلمية التي تثبت دور المشروبات الغازية في رفع نسبة البدانة في العالم !!!! فمن نصدق نانسي بجسدها النحيل وفستانها الأحمر أم دراسات وأبحاث علماء لم نسمع بأسمائهم من قبل؟؟؟
و إذا كنا نتفق على أننا نعيش اليوم في عصر الصورة فهل تعكس الصورة المقدمة في وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها صورة حقيقية عنا وعن مظهرنا الخارجي؟هل نمتلك نحن جميعا أجسادا نحيلة كنانسي  وعضلات مفتولة كعمرو دياب؟؟؟ هل تبدو صورتنا الخارجية في حياتنا اليومية كما تبدو صورة هؤلاء على  شاشات التلفزة؟؟آلا يعرف هؤلاء طعم البطاطا المقلية ألم يتذوقوا الشوكولا أم أنهم يأكلونها داخل الشاشة لتزداد أوزاننا نحن فقط أمامها؟؟؟.
وفي إشارة أخرى، أود ان اذكر أن الإعلام الأمريكي تمنى ان يكون العرب كل مثل ناسي عجرم وهذا في حد ذاته موضوع اخر للنقاش، واترك لكم الإجابة في ذلك.
وفي مثال أخر والذي لا يمت للعرب بصلة هو صور مولودين توأمين للممثلة الهوليودية المشهورة أنجلينا جولي، بحيث ان صور الرضيعين، أصبحت أكثر من نار على علم، في العالم وفي منطقتنا العربية، فتلك الصور كانت حصرية على شركة إعلان وبيعت بملايين الدولارات، فتصورا ان هذا
الخبر أحتل أيضا حيزا هاما في قناة العربية بالخصوص، نظرا لما تمثله هذه القناة في الوسط الإعلامي العربي وكذا في أوساط المشاهدين، بالإضافة على بعض القنوات العربية الأخرى، فالكل كان يبحث عن هذه الصورة، وهل أنجلينا جولي موطنة عربية أم دخلت الإسلام ام ماذا؟.
فهي من بلاد العم السام ولماذا كل هذا الاهتمام بهذه الصورة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع.
هذه بعض الأمثلة فقط وليس كلها، عن تأثير الصورة على جموع امتنا العربية، وكيف انسلخنا وراء كل ماهو ثانوي، أي لا يمت بواقعنا المر بصلة.















خاتمة:
       من خلال نظرة  شاملة للواقع العربي نجد ان الصورة قد قدمت ذلك التأثير والممنهج والمدروس أحيانا، وأحيانا بصفة طبيعية، فواقعنا اليوم أصبح يهرب من واقعه المر والمزري ومن قضاياه الرئيسية، إلى واقع أخر غير واقعه أي حالة الاغتراب والتجزؤ والبعد عن الحقيقة.
وكان هذا نتيجة الصورة وتأثيرها، وكذا التخمة العالية من الصور وبكل الأشكال وطرق إيصالها للمتلقي، وجودتها، جعلت الفرد العربي يغوص في بحر لا شاطئ له، فاصحبانا كل يون نشاهد الملايين من الصور، دون ان نرحك ساكنا لما يمس قضايانا ومعتقداتنا، بينما نشحذ هممنا على أشياء تافهة، كالبحث عن صورة فنانة في ثوب جديد، أو حلاقة جديدة لفنان.....إلخ.
لقد أماتت الصورة قلوب ووجدان الكثيرين، وأصبحوا ضحايا الصور، والتي لم تترك لهم الفرص من الخروج من هذا الوبال العظيم،  الدراسات المسحية التي أجريت على المجلات النسائية العربية أكدت أنها تخصص حوالي 75% من صفحاتها للجوانب الجمالية والمظهرية للمرأة: كالأزياء وأدوات الزينة أو المشاكل العاطفية للقارئات مع إغفالها الأبعاد النفسية والداخلية للمرأة, وهكذا يتم تصوير المرأة وكأنها مظهر وشكل جميل دون أي مضمون داخلي، وهذا يدل على أن القائمين عليها على قناعة بأن المرأة تولي الاهتمامات المظهرية والشكلية عناية قصوى على حساب قدراتها الذهنية والفكرية.
أما وسائل الإعلام المرئية فيمكن القول: إنها تصور المرأة بصورة أكثر سوءًا حين تعمد إلى استغلال جسد المرأة وكأنه سلعة في سوق الفيديو كليب، وتفيد الإحصاءات أن ما يقارب من ربع الفضائيات العربية مخصصة للفيديو كليب، ولا يمكننا أن نعثر على أي كليب يخلو من النساء حتى ولو كان المطرب رجلاً، وتعد مساحة العري أحد المؤشرات الدالة على نجاح الكليب وإمكانية تحقيقه جماهيريا.
لقد فقدت الصورة بريقها الناصع ودر وها الحضاري، فالصورة اليوم ذات طابع تجاري لا غير، تتاجر في كل شيء حتى كرامة الإنسان وأدميته، ,أي صورة هذه التي تملك في طياتها وحشا مفترسا لا يشبع إلا بالإيقاع بالكثير من الضحايا.
ان الصورة قد بلغت حدا من الإسفاف بالشعوب العربية، وكذا حدا كبيرا من الانسلاخ في ثقافة غربية لا تمت بصلة بواقعنا، حيث سلبت هويتنا العربية الإسلامية وقد لا نجدها غلا في الكتب والمحاضرات، فمظاهر بعض شبابنا العربي، ونتيجة تأثيرها بما يأتي من الغرب من مجلات
ماجنة وفضائيات مهلكة، وملايين الصور عبر الإنترنيت، فلا تكاد تتعرف عل بعض شبابنا العربي غلا من كلامه او لهجته، فلا يوجد أي مظهر أخر يوحي بعروبته أو إسلامهن ومع انتشار الأمية في وطننا العربي وجدت الصورة مناخا سهلا وخصبا لملا هذا الفراغ، مما ينعكس على الأفراد بصورة كبيرة جدا.
كما هزت الصورة قيمنا العربية وجعلت من المرأة أساسا لقيام كيانها أي الصورة، وجلت منها أرخص سلعة وتصويرها بأقل شانها وفي مواضع لا يحل ان تكون فيها، بحجة التحرر والعالمية ، أي بخط موازي للعولمة الذي هذا هو نمطها التركيز على الصورة باستعمال  المرأة، بحيث تفقد كرامتها من دون أن تشعر، وبهذا يخدر الشعب وهو في حالة يرى فيها نفسه بأنه هو الملك، نتيجة التأثير السحري للصورة باستعمال المرأة ودغدغة شهواته ونزواته الحيوانية، وأصبحت الصورة موجودة في كل مكان وعلى أوسع نطاق مما ينعكس على تأثيرها السلبي الكبير على مجتمعاتنا العربية.
وفي الأخير نخلص على ان الصورة العابرة للقارات وحتى المحلية منها لم تعد مؤثرة على وجدان المتلقي العربي خاصة بما يتعلق بواقعنا العربي وقضاياه المركزية كفلسطين والعراق فكل يوم نرى مشاهد وصور ولكن لا نحرك ساكنا، فأصبح مشاهدة هذه الصور مثل العادة، والعادة تأتي من التكرار، ومع انتشار الفضائيات وتطور تكنولوجيات وسائل الإعلام وشبكات الإنترنيت الاجتماعية كالفيس بوك وتويتر وغيرها، كونت لدى المتلقي العربي حالة من السكون والتحجر، في حين نجد الصورة المبنية على الترفيه والتسلية لديها نطاق واسع على جمهور المتلقين وتفاعل مع هذ         ا الجمهور فتؤثر عليه تلك الصور و تجعل منه تابعا، وهذا أمر خطير، فأصبح هذا الجمهور يبحث عن الثانوي وترك الأساس، كل هذا يدور في فلك العولمة، التي هدفها القضاء على الخصوصية والترويج لمفهوم العالمية وسقوط الحدود والثقافة المحلية، عن طريق مجموعة من المفاهيم مستعينة بوسائل الإعلام والتأثير السحري للصورة الذي يقوم على عامل الانبهار وجنات النعيم، وهو عامل رئيس في نجاح درجة التأثير على نطاق واسع.
إننا هنا في هذا المقام نؤمن بدور الصورة، وجانبها الجمالي على مر العصور؛ حيث يرى نصر الدين العياضي أن الصور ذات طابع سحري، وإنها اكتسبت طابعا مقدسا في العصر القديم بعد ان خدمت الديانات، فزينت بها المعابد والكنائس، ثم أصبحت مادة موجهة للنخبة الأرستقراطية في
المتجمع، تزين بها أماكن إقامتها إلى غاية القرن 18 عشر، بعدها اكتسبت الصورة الطابع الشعبي بعد انتشاء التعليم والقراءة في المجتمع، وحتى وصولها إلى ماهي عليه اليوم يعني لا يمكن إنكار دور الصورة  بأي حال من الأحوال.
















هناك تعليق واحد: